صورة القديس نيكولاس في سيناء: تحفة بيزنطية من القرن الحادي عشر

صورة القديس نيكولاس من سيناء مع هالة ذهبية وملابس أسقفية من القرن الحادي عشر

صورة القديس نيكولاس من دير القديسة كاترين في سيناء، القرن الحادي عشر، تمثل مثالاً رائعاً للفن البيزنطي

 

تعتبر صورة القديس نيكولاس من دير القديسة كاترين في سيناء واحدة من أهم التحف البيزنطية في القرن الحادي عشر. بأبعاد 43 × 33 سم، تمثل هذه اللوحة شهادة استثنائية على فن التصوير الذي ازدهر في الدير المقدس في سيناء خلال الفترة الوسطى البيزنطية (Weitzmann). تبرز هذه اللوحة ليس فقط لجودتها الفنية، ولكن أيضاً لثقلها اللاهوتي كوثيقة تاريخية لتقليد ثقافي يمتد بلا انقطاع من القرون المسيحية الأولى حتى اليوم.

تتبع صورة القديس نيكولاس النمط البيزنطي الكلاسيكي للتمثال الأمامي، حيث يظهر القديس في وضعية أمامية ممسكاً بإنجيل مغلق. تعكس هذه الرمزية التصويرية التركيز اللاهوتي على السلطة الأسقفية والرسالة التعليمية للقديس (Weitzmann). يرفع يده اليمنى في إيماءة بركة أمام صدره، وهي حركة تلخص وظيفته التعليمية والروحية. من الجدير بالذكر أن هذه الصورة تظهره في منتصف العمر، على عكس الصور اللاحقة حيث يظهر بشعر أبيض وملامح أكثر تقشفاً وتجاعيد، مما يعزز تأريخ العمل إلى القرن الحادي عشر ويكشف عن تطور التقليد التصويري.

 

البعد اللاهوتي والوظيفية

تزين إطار الصورة عشرة قديسين في ميداليات، وهي تركيبة تستلهم من فن المينا وتكشف عن الرؤية اللاهوتية الشاملة للرسام (Živković). في الجزء العلوي، يظهر المسيح كلي القدرة مصحوباً بالرسل البارزين بطرس وبولس، وهي ثلاثية ترمز إلى السلطة الكنسية المطلقة والتسلسل الرسولي. على الجانبين، يتواجد القديسون العسكريون ديمتريوس وجورجيوس وثيودوروس وبروكوبيوس، مما يبرز البعد الاستشهادي للإيمان المسيحي والصراع الروحي ضد الشر.

في الجزء السفلي، نجد القديسين الشافين كوزماس وبانتلييمون وداميان. هذه الاختيار التصويري ليس عشوائياً، بل يعكس البعد الشافي والمفيد للرسالة المسيحية (Lidova). تضمين هؤلاء القديسين يخلق برنامجاً متكاملاً يغطي جميع جوانب التجربة المسيحية: السلطة الكنسية، الشهادة الاستشهادية، والرعاية الشافية. تعمل التركيبة ككل كنظام لاهوتي صغير يتضمن الأبعاد المسيحانية والكنسية والقديسين في الإيمان الأرثوذكسي.

 

الكمال الفني والجمالية

تظهر هالة القديس نيكولاس سطحاً خشناً يختلف عن الخلفية الذهبية. تظهر نفس الاختلافات في الدوائر المحيطة بالشخصيات الأخرى للقديسين. هذه الاختيار الفني ليس فقط جمالي، بل يحمل معنى رمزي أعمق (Innemée). تخلق خشونة الهالات تبايناً بصرياً مع نعومة الخلفية، مما يبرز البعد الروحي للوجوه المرسومة ويفصل بين المقدس والعالم.

تسيطر الألوان الدافئة من الأصفر والأحمر في الخلفية، بينما تمزج ملابس القديس بين الأحمر الداكن والذهب في الزخارف الأسقفية. تتيح تقنية الإنكاستيك، التي كانت تستخدم غالباً في صور سيناء، تحقيق الحفاظ الممتاز على الألوان وتفاصيل دقيقة (Margell). يتم تصوير وجه القديس بدقة شبه بورتريه، بينما تتجه عيونه الكبيرة والمعبرة نحو المشاهد، مما يخلق تواصلاً روحياً مباشراً.

 

الشهادات التاريخية والتراث الثقافي

تعتبر صورة القديس نيكولاس جزءاً من مجموعة واسعة من دير القديسة كاترين، الذي يحتضن أهم مجموعة من الصور في العالم (Pfeiffer). تم الحفاظ على هذه المجموعة الفريدة بفضل العزلة الجغرافية للدير والحماية التي وفرتها الهيمنة الإسلامية، التي احترمت الطابع المقدس للمكان. يسمح هذا اليوم للباحثين بدراسة تقليد تصويري مستمر يمتد من القرن السادس إلى القرن الثالث عشر.

تندرج هذه الصورة ضمن برنامج أوسع من الرمزية البيزنطية التي تطورت في سيناء خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، كما تشهد على ذلك أعمال أخرى ذات صلة في المجموعة (Stric̆ević). تكشف الاتساق النمطي والجودة الفنية العالية لهذه الأعمال عن وجود ورشة فنية منظمة كانت تحتفظ باتصالات مباشرة مع المراكز الكبرى للفن البيزنطي. في الوقت نفسه، تشير خصوصية بعض الحلول التصويرية إلى تطور تقاليد محلية أغنت الرصيد البيزنطي المركزي.

 

الهدف الوظيفي والاستخدام العبادي

كانت صورة القديس نيكولاس، مثل معظم الصور الصغيرة الخاصة في تلك الفترة، مخصصة على الأرجح للاستخدام العبادي الشخصي أو لتزيين مساحة خاصة للصلاة (Annemarie). أبعادها، رغم أنها صغيرة نسبياً، إلا أنها كافية لوظيفتها، مما يسمح بعلاقة شخصية بين المؤمن والقديس، بينما تحافظ في الوقت نفسه على الرسمية التي تتطلبها العبادة. اختيار القديس نيكولاس كشخصية مركزية ليس عشوائياً، حيث كان يُعتبر حامي البحارة والتجار والأطفال، أي مجموعات اجتماعية واسعة كانت بحاجة ماسة لحمايته وشفاعته.

يُثري الإطار الوظيفي للصورة بوجود القديسين المحيطين، الذين يشكلون دائرة متكاملة من الحماية والشفاعات. الشخص الذي يصلي أمام الصورة لا يحصل فقط على نعمة القديس نيكولاس، بل يشارك أيضاً في مجتمع أوسع من القديسين يغطي جميع جوانب التجربة الإنسانية. تعكس هذه المقاربة متعددة الأبعاد للشفاعات الرؤية البيزنطية حول مجتمع القديسين كواقع حي يتجاوز الحدود بين الأرض والسماء.

 

 

المراجع

Annemarie, W. “عرض أيقونة في جبل سيناء.” ديلتيون الجمعية المسيحية الأثرية (1994).

Innemée, K. “الرسم بالإنكاستيك في مصر.” مساهمة مصر في تاريخ التقنيات. القاهرة (2006).

Lidova, M. “كلمة الصورة: الإطارات النصية للأيقونات البيزنطية المبكرة.” كتابة النصوص في بيزنطة (2020).

Margell, J. فن الإنكاستيك (2015).

Pfeiffer, H. “دير القديسة كاترين في جبل سيناء. الأيقونات، المجلد الأول: من القرن السادس إلى القرن العاشر.” JSTOR (1977).

Seggebruch, PB. تقنيات الرسم بالإنكاستيك: كل شيء عن الشمع (2013).

Stric̆ević, G. “دير القديسة كاترين في جبل سيناء. الأيقونات. المجلد الأول: من القرن السادس إلى القرن العاشر.” JSTOR (1978).

Weitzmann, K. “شظايا من ثلاثية القديس نيكولاس المبكرة في جبل سيناء.” ديلتيون الجمعية المسيحية الأثرية (1966).

Weitzmann, K. “برامج الأيقونات في القرنين الثاني عشر والثالث عشر في سيناء.” ديلتيون الجمعية المسيحية الأثرية (1986).

Živković, M. “عن أيقونات سيناء وشهداء رايثو في دير القديسة كاترين في سيناء.” زوغراف (2020).