
فن كريت، خاصة في القرن السادس عشر، يمثل مجالًا من التفاعل المستمر، مكانًا حيث تلتقي الهندسة الصارمة والميتافيزيقية للتقليد البيزنطي – وليس دائمًا بسلام، يجب أن نقول – مع القلق الجديد للإنسانية الإيطالية، والدرامية والواقعية النفسية التي جلبتها النهضة. في هذه النقطة، في هذه الأرض الخصبة من التناقضات، وُلدت “ظهور المسيح القائم لمريم المجدلية”، صورة محمولة من فن استثنائي وعمق لاهوتي، رسمها فنان كريتي مجهول، لكنه عظيم. العمل، الذي يُحتفظ به اليوم في متحف الصور في دوبروفنيك، ليس مجرد أيقونة؛ بل هو مقالة لاهوتية مكتوبة بالألوان والضوء، دراسة حول ما هو غير ملموس والإنسان، حول المسافة التي تفصل وتجمع بين الإلهي والأرضي. أتذكر المرة الأولى التي رأيت فيها هذه الصورة، ليس في كتالوج متحفي بارد، ولكن في نسخة أثارتني بشدتها الداخلية، تلك الشدة التي تنبع من هذا الرفض الحنون، ولكن المطلق، للمس. إنه عمل يتناول الحدود. حدود الإيمان، واللحم، والفهم. ويفعل ذلك بلغة بصرية، بينما تستند بقوة إلى التقليد، لا تتردد في همس شيء جديد، شيء يعلن عن التراكيب العظيمة لثيوذوروس. الرسم البيزنطي لم ينتهِ في عام 1453؛ بل تحول، وهنا، في كريت، وجد أحد أكثر وسائل تعبيره تألقًا (كومباراكي-بانسيلينو).
إخراج اللقاء الإلهي: المكان والرمزية
الفنان المجهول ينظم المشهد بحكمة تتجاوز مجرد الاتفاق الإيقوني. ليس لدينا هنا سهل ذهبي محايد. أو بالأحرى، السهل الذهبي، رمز الضوء الإلهي الذي لا زمن له، موجود، لكنه مقيد، محدد بواسطة منظر درامي للغاية، يكاد يكون عدائيًا. صخرة. حادة، غير مضيافة، منحوتة بطريقة تذكر بأكثر التراكيب الصارمة في فترة باليولوج، تهيمن على الجزء الأيسر. كهف القبر يفتح، فتحة سوداء مهددة، لكنها الآن لم تعد تحتفظ بالميت، بل تكشف عن الأقمشة، الأكفان، مطوية بعناية، علامة على مغادرة مرتبة، واعية، وليست هروبًا متسرعًا أو سرقة. في الظلام، الأقمشة البيضاء تتلألأ، شهود على الغياب. المكان هنا ليس واقعيًا، لا يتبع قوانين المنظور التي كانت سائدة بالفعل في إيطاليا. إنه مكان لاهوتي، مكان يعمل رمزيًا. الصخرة، القاسية والعارية، هي عالم الموت، عالم العهد القديم، الذي تمزق الآن بواسطة نور القيامة. وفوق اللقاء، تنمو شجرة صغيرة، شبه جافة، بعناد، تلميح رقيق وهش إلى خشب الصليب الذي أصبح شجرة الحياة. لا شيء هنا عشوائي. التركيبة تنقسم بشكل غير مرئي إلى محورين مائلين: أحدهما تحدده نظرة المسيح نحو مريم المجدلية، والآخر من حركة أيديهما، حركة لا تكتمل، تبقى معلقة، مشحونة بكل توتر اللحظة. هذه الإدارة للمكان، حيث كل عنصر، من أصغر شجيرة إلى الكتلة المهيبة للصخرة، يخدم الرسالة اللاهوتية المركزية، هي إرث من التقليد البيزنطي العظيم، ولكنها مصفاة من خلال إحساس جديد بالدراما.

دراما النظرة واللمس: المسيح ومريم المجدلية
ونصل إلى الأبطال. في قلب هذه الدراما الكونية. المسيح، على اليمين، واقف، هادئ، لكنه ليس بعيدًا. جسده، ملفوف في ثوب بألوان برتقالية وحمراء، يُظهر بوضوح بلاستيكية ووزنًا يدل على معرفة بالفن الغربي. طيات الثوب ليست مجرد خطوط زخرفية، كما في الفن البيزنطي القديم، بل تتبع وتكشف عن بنية الجسم من الأسفل، مما يمنحه وجودًا وثقلًا. يحمل في يده اليسرى كتابًا، رمز التعليم الجديد، ويده اليمنى، مركز الصورة بأكملها، تتحرك لأسفل في إيماءة تجمع بين المنع والبركة. وجهه، بملامح هادئة، تقريبًا حزينة، ينظر إلى مريم المجدلية بتعبير من التعاطف اللامحدود، ولكن أيضًا بسلطة إلهية. إنه رب التاريخ، الذي انتصر بالفعل على الموت وينتمي الآن إلى مجال آخر، غير فاسد وغير مادي.
أمامَه، راكعة، تكاد تكون ملتصقة بالأرض، توجد مريم المجدلية. شكل مكرس بالكامل للشغف، للرغبة الإنسانية التي لا تقاوم في اللمس، في تأكيد ما تعجز عينيها عن تصديقه. ترتدي عباءة حمراء قانية، لون الدم، التضحية، ولكن أيضًا العاطفة الإنسانية. يديها ممدودتان، مفتوحتان، في حركة شغف تتوقف فجأة، على بعد بضع سنتيمترات من جسد المعلم. كل وضعها – الركوع، الميل الطفيف للرأس، النظرة التي ترتفع مليئة بالدهشة والاستغراب – هو صرخة. صرخة تلتقي بالأمر الهادئ، ولكن الثابت: “لا تلمسني”. هنا، يحقق الفنان شيئًا مذهلاً: يعبر بصريًا عن حالة لاهوتية. الانتقال من الإيمان القائم على التجربة الحسية، إلى الإيمان المؤسس على الكلمة والعلاقة الروحية. التفاعل بين الثقافتين، الشرقية والغربية، واضح في مثل هذه الأعمال، كما هو موضح في دراسة حول علاقة الفن البيزنطي بأوروبا في عصر النهضة (ليمبيروبولو ودويتس). الحوار بين الشغف الإنساني والسلام الإلهي لا يمكن أن يُعبر عنه بوضوح أكبر.
في النهاية، ما هي هذه الصورة؟ أجرؤ على القول إنها قصيدة بصرية عن المسافة. المسافة المقدسة التي يجب قطعها ليس باليدين، بل بالقلب. الفنان الكريتي من القرن السادس عشر، هذا المعلم المجهول، لا يصور مجرد حدث إنجيلي. بل يعلق على طبيعة الإيمان نفسه. من خلال دمج صرامة الشكل البيزنطي مع الشدة النفسية التي تعلمها من الغرب، يخلق عملاً يتجاوز حدود عصره. يدعونا للنظر إلى ما وراء السطح، إلى ما هو أبعد من الذهب والألوان اللامعة، ونتأمل الخط الرقيق الذي يفصل بين المعرفة والإيمان، بين اللمس والثقة. إنها صورة لا تقدم إجابات سهلة؛ بل تطرح أسئلة. وربما تكمن قوتها الخالدة في ذلك بالضبط…

أسئلة شائعة
ماذا ترمز عبارة “لا تلمسني” في هذه الصورة الكريتية؟
في هذه الصورة الكريتية، عبارة “لا تلمسني” (Noli me tangere باللاتينية) ليست مجرد رفض بسيط. إنها ترمز إلى الحالة الروحية الجديدة للمسيح القائم، الذي لم يعد جسده ينتمي إلى العالم الفاني المادي. إنها دعوة لمريم المجدلية، وبالتالي لكل مؤمن، للانتقال من علاقة قائمة على اللمس الحسي إلى علاقة مؤسَّسة على الإيمان والوحدة الروحية.
ما هي الخصائص الرئيسية لمدرسة كريت للرسم في القرن السادس عشر التي تظهر في العمل؟
تعتبر هذه الصورة مثالًا ممتازًا لمدرسة كريت في القرن السادس عشر. نلاحظ بقاء عناصر بيزنطية، مثل السهل الذهبي والتعبير المجرد عن المنظر. في الوقت نفسه، تظهر التأثيرات من النهضة الإيطالية، خاصة في بلاستيكية الأشكال، وإحساس حجم الأجساد تحت الملابس، والدرامية النفسية القوية للمشهد، وهي عناصر تميز المرحلة الناضجة لهذه المدرسة العظيمة.
لماذا تكون صورة مريم المجدلية عاطفية للغاية؟
التوتر العاطفي لمريم المجدلية في تحليل هذه الصورة الكريتية هو مقصود. إنها تمثل الطبيعة الإنسانية في أكثر لحظاتها أصالة: الشغف، الدهشة، والمحبة أمام المعجزة. يستخدم الفنان وضعية الركوع، تقريبًا في حالة نشوة، ووجهها التعبيري لخلق تباين قوي مع الشكل الهادئ، المتعالي للمسيح، مما يبرز دراما اللقاء بين الإلهي والإنساني.
ما هو دور المنظر والقبر الفارغ في الصورة؟
المنظر في الصورة “لا تلمسني” ليس مجرد زخرفة. الصخرة الحادة، القاحلة، ترمز إلى عالم الموت الذي هُزم الآن. القبر الفارغ، مع الأكفان المرتبة، يعمل كشاهد لا يمكن إنكاره على القيامة. كل عنصر من عناصر المكان مشحون لاهوتيًا ويخدم السرد، مما يحول المنظر إلى مشارك نشط في الدراما الإلهية وليس مجرد خلفية سلبية.
كيف تتداخل التقليد البيزنطي مع التأثيرات الغربية في هذه الصورة من القرن السادس عشر؟
هذا الجمع هو جوهر مدرسة كريت. التقليد البيزنطي حاضر في التركيبة الصارمة، واستخدام الخلفية الذهبية كرمز للضوء الإلهي، والالتزام بالقواعد الإيقونية. التأثيرات الغربية، النهضوية، تظهر في الجهود المبذولة لتصوير الحجم، والطبيعية لبعض الحركات، والأهم من ذلك، التركيز على البعد النفسي والعاطفة الإنسانية، مما يخلق نتيجة فنية فريدة.
المراجع
كومباراكي-بانسيلينو، نافيكا. الرسم البيزنطي: المجتمع البيزنطي وصوره. مركز الأبحاث البيزنطية، 2000.
ليمبيروبولو، أنجيليكي، ورمبراط دويتس، محرران. الفن البيزنطي وأوروبا في عصر النهضة. دار نشر أشغيت، 2013.

